نقتطف لكم بعض الازهار من حديقة سيدنا عمربن عبد العزيز
فلقد كان حاكما عزيما واماما وقائدا عظيما ولقد عرفوا بالعديد من المواقف المليئة
الصرامة مع غيرهم من الحاشية والأقارب والمنافقين والمدّاحين . كان للخليفة ستمائة شرطي وحارس خاص له، فقال لهم عمر :
إن لي عنكم بالقدر حاجزا والأجل حارسا، فمن شاء منكم فليلحق بأهله ، ومن بقي فليس له سوي عشرة دنانير. وكتب إليه أحد عماله يخبره أن المدينة التي يحكمها قد خربت ويطلب منه دعما ماليا ليعيد بناء ما تهدم ، ويرمم منها ما تصدع. فرد عليه عمر: حصّن مدينتك بالعدل ، وطهّر طرقاتها من الظلم فإن هذا وحده هو ترميمها . وكتب إليه وال آخر يشكو من كثرة من يعتنقون الإسلام لأن هذا يعنى توقفهم عن دفع الجزية ،فرد عليه الخليفة العظيم: إن الله تعالى بعث النبي محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا. وجاء إليه الشعراء عندما تولي الخلافة ، فمكثوا أياما واقفين علي بابه لا يؤذن لهم، حتى جاء عدى بن أرطأة فناشده " جرير" الشاعر المشهور أن يستأذن لهم الخليفة ، فقال عدى لعمر رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ، الشعراء ببابك ، سهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة ،يقصد أن يلفت انتباهه إلي ضرورة كسب ود الشعراء بالعطايا والهبات ، كما كان غيره يفعل فقال له عمر : ويحك يا عدى مالي والشعراء ؟
قال عدى : إن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يسمع الشعر ويجزى به. فراح عمر يستجوبه حتى اطمأن إلي أن نبي الهدي كان يسمع الشعر النبيل الهادف ، فأذن لجرير وحده بالدخول لأنه كان الشاعر الأقل فحشا وانحرافا بين الموجودين. قال له عمر : ويحك يا جرير اتق الله فيما تقول ، فأنشده جرير قصيدة طويلة يمدح فيها الرسول صلي الله عليه وسلم وعمر بن عبد العزيز . وأبى عمر أن يعطيه من بيت المال ما ليس له بحق، وأعطاه مائة درهم فقط من ماله الخاص كانت قد بقيت معه
.
وخرج جرير إلي زملائه الشعراء فقال لهم : جئتكم بما يفجعكم ، أمير المؤمنين يعطي الفقراء ويمنع الشعراء ، وأنا عنه راض
.
( 17 )
كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سنتين وبضعة أشهر كما أسلفنا ..و رغم قصر المدة استطاع الفتي الأموي أن يجدد شباب الإسلام وأن يعيد إلي الأذهان كل خصائص العهد الأول الذي طبّق فيه منهج الله كاملا غير منقوص .. ولم يتحقق له ذلك بسهولة ويسر ، إنما كان الثمن باهظا ، وكانت التضحيات بلا حدود