لما انتهى المسلمون من غزوة حنين ظافرين غانمين ، وزع النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم على المسلمين ، واهتمَّ خاصة بالمؤلفة قلوبهم ليكون ذلك تثبيتاً لهم على إسلامهم ، ووكل أصحاب الإيمان إلى إيمانهم وإسلامهم ..
فتساءل الأنصار في مرارة : لماذا لم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حظهم من الفيء والغنائم ، وأخذوا يتهامسون بذلك ..
فسمع سعد بن عبادة همسهم وكلامهم ، فذهب من فوره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله إنَّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبته .. قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء ..
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : (وأين أنت من ذلك يا سعد ؟) ..
فأجاب سعد بصراحة قائلاً : ما أنا إلا واحد من قومي ..
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذاً فاجمع لي قومك ) ..
فجمع سعد قومه من الأنصار ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا يدخل عليهم أحد وهو معهم ..
فجاءهم بأبي هو وأمي ، فنظر في وجوههم ، فتبسم في وجوههم ابتسامة متألقة ..ابتسامة عرفان وتقدير لصنيعهم ..
ثم قال : ( يا معشر الأنصار ماقالة بلغتني عنكم ؟ وجدةٌ وجدتموها عليّ في أنفسكم ؟ ..
ألم آتكم ضلالاً ..فهداكم الله بي !.
وعالة ..فأغناكم الله بي !.
وأعداءً ..فألَّف الله بين قلوبكم بي !.)
قالوا : بلى الله ورسوله أمنُّ وأفضل ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ )
قالوا : بمَ نجيبك يا رسول الله ؟ لله ورسوله المنُّ والفضل ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ( أما والله لو شئتم لقلتم ولصدقتم وصُدِّقتم :
أتيتنا مُكذَّباً فصدَّقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وعائلاً فآسيناك ، وطريداً فآويناك ..
يا معشر الأنصار ..
أوجدتم في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم لإسلامكم ؟
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون أنتم برسول الله في رحالكم ؟! ..
ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون أنتم برسول الله في رحالكم ؟! ..
فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ..
ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار!
اللهم ارحم الأنصار ..
اللهم ارحم الأنصار ..
وأبناء الأنصار ..
وأبناء أبناء الأنصار ) ..
فبكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم ، واختلطت دموعهم بدموع حبيبهم .
فصاحوا جميعاً وسعد معهم : رضينا برسول الله قسماً وحظاً ..
يالله ..
ما أجمله من منظر ..
وما أروعه حين يعبر الصادقون بدموعهم عن حبهم وشوقهم لحبيبهم..
فداً لك من يقصر عن فداك
أروح وقد ختمت على فؤادي
إذا اشتبكت دموعٌ في خدود
فما شهمٌ إذاً إلا فداك
بحبك أن يحل به سواك
تبيَّن من بكى ممن تباكى
{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}
فأسألك بالله هل اشتقت لرؤياه ؟!.